قبل ثمانية قرون، انتصر الغزالي على ابن رشد، هُزم ابن رشدٍ في الشرق بسمّ الأفعى نفسها الذي خرج في ا،
صيدها، كُفّر ثم مات غمّاً، وحكم الغزالي بلادنا، ولا زال: الغزاليّ اليوم صاحب بئر نفط، يضع أسعار المعارك والحروب والسلام ويشتري الثورات ويبيع البلاد ويستأجر الأقلام والحبر، الغزاليّ صاحب فضائيّتين اثنتين، تتنازعان على عرش الحقد والفتنة وصناعة الخبر لا نقله، ونخر الرأي العام لا ترميمه… الغزاليّ سائق سيارة أجرة عاديّ في مدينة لم تتعلم أصول المدنية بعد، يشتم سائقاً آخراً قادم من الريف، وهو طفلٌ يرشق عاملاً أفريقياً بالحجارة، لأن لون بشرته لم يعجبه، الغزاليّ هو الطاغية، يحكم أربعين عاماً، بأربعين جهاز مخابرات، وأربعين ألف معتقل وأربعين مليون حلمٍ مقتول، ثم يسأل: لماذا يكرهني شعبي؟ هو الجريدة الرسمية للطاغية، تخوّن كل فلاسفة الحرية وتلامذتهم، وتهدر دم كل كل فلاسفة لقمة العيش، الغزاليّ هو أن يكون النظام الحاكم هو الثابت لا المتحول، أما المعارضة فهي المتحولة دائماً.. إلى جثثٍ، أو خدَم.
الغزاليّ هو النظام العربيّ اليوم، وهو المسجد اليوم، وهو اتصال الاثنين الذي يجعل من الكتابة جنحة، ومن الصوت جريمة، واتصالهما، تحت عباءة الغزاليّ، هو شريعة الدم، وصورة فوتوغرافية لـ”تهافت الانسان”، فيصبح القتل حدثاً عادياً، والمجزرة خبراً يومياً، والتعذيب والذلّ إعلاناً مبوّباً في بيانات الأحزاب والعشائر والطوائف، وبينهم جميعاً، في خطاب الحاكم المقدّس الذي لا شريك ولا معارض له
سرقك الغرب يا ابن رشد وتركوا لنا جيفة الغزاليّ لنعلق في نتانتها، فكانت مستنقعاً لا ينبت في أحسن حالاته إلا كتاباً أخضراً سخيفاً! وفي أسوأ حالاته، آل سعود وزبانيتهم.
يا ابن رشد، تعال و”افصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال”، عُد إلى بلادٍ تُسقط اليوم خريفها كفرسٍ تنفض عنها وحل الغابة، قتلنا بعدك أكثر من ابن رشد، بالرصاص وبالسكاكين وبأحكام التكفير وبالسكوت للنظام ولرجاله، وبمزاج مخبرٍ عابر، كثيرون قُتلوا في الطريق إلى العدالة والحرية والفكر الحر والعقل، وبقي الغزاليّ يحبسنا كعفريتٍ في قمقم المأساة.. اليوم نراكْ، شاهراً حبركَ، وصوتك الصارخ في وجه الممانعين والمعتدلين وما بينهما، مؤسساً لعقلٍ جديدٍ، لا يسجنه الغزاليون بين خيارات الذلّ والمحتل، وبين الموت والموت.تعالَ يا ابن رشد، هذه الصحراء لا بد تنقرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق